top of page
صورة الكاتبDellair Youssef

أكراد أوروبا نافذة لأكرادِ كوردستان على الحياة


أولى الجماعات الكردية التي وصلت إلى أوروبا الغربية بشكل كبير، وصلت في ستينيات القرن الماضي، وكان معظمهم من أكراد تركيا. وصلوا مع العمّال الذين جلبتهم حكومات ألمانيا، وهولندا، والسويد، وبلجيكا، من تركيا، والذين باتوا يعرفون باسم "العمّال الضيوف".

قبل ذلك التاريخ، عاش بعض الأكراد الأفراد في دول أوروبا الغربية المختلفة، وكذلك عاشوا في دول الكتلة الاشتراكية، في أوروبا الشرقية، وأُنشئت في تلك السنوات "جمعيات الصداقة" المختلفة، كتلك التي في رومانيا، وبلغاريا، وتشيكوسلوفاكيا، وكانت هذه الجمعيات تُعنى بشكل رئيسي بالثقافة الكردية، من غناء، ولغة، وتبادل ثقافي مع الدول التي وُجدت فيها.


الحضور السياسي الكردي في أوروبا الغربية، اقتصر على وجود أفراد، وشخصيات سياسية وثقافية لها حضورها في الحياة العامة الكردية، من أمثال نور الدين ظاظا وعبد الرحمن قاسملو، وغيرهما، من دون وجود تنظيمات حزبية، أو فروع لأحزاب كوردستان في أي دولة أوروبية. إلّا أنّ تأثير مصطفى البارزاني، وسياسته، على معظم هذه الشخصيات، كان واضحاً.

توالي الهجرات الكردية إلى أوروبا

في منتصف السبعينيات، وبعد هزيمة ثورة الملّا مصطفى البارزاني في كوردستان العراق، فتحت بعض الدول الأوروبية أبوابها أمام عدد من عائلات السياسيين والمقاتلين البيشمركة الأكراد، ولا سيما المملكة الهولندية، وبهذا وُجدت أول كتلة شعبية كردية سياسية في أوروبا الغربية والشمالية، والتي عملت لاحقاً على توطيد العلاقات السياسية والثقافية بين الأكراد والأوروبيين، بطرق مختلفة.


في سنة 1980، نفّذ الجنرال العسكري كنعان إيفرين، انقلاباً عسكرياً يهدف إلى "إعادة مبادئ الجمهورية التركية، حسب ما بناها أتاتورك". وفي إثر الانقلاب، أعدمت السلطات الجديدة العشرات، واعتقلت مئات الآلاف، ومات المئات في السجون تحت التعذيب، ممّا تسبّب بموجة هروب ولجوء كردية وتركية كبيرة، نحو القارة الأوروبية.


مجموعات من الأحزاب الكردية، والسياسيين الأكراد، كانوا ضمن الهاربين من الانقلاب التركي. كما انضم إليهم الأكراد الهاربون من إيران والعراق، نتيجة حرب الخليج الأولى، لتساهم هذه "الهجرات" في تشكيل أحد أكبر تجمعات الأكراد السياسية في أوروبا، وبالتحديد في السويد، التي حضر فيها الأكراد منذ سنوات طويلة قبل ذلك، ليشكلوا جزءاً من المجتمع السويدي، وصولاً إلى وجود نوّاب أكراد في حكومات السويد المتعاقبة.


الموجة اللاحقة من "هجرة" الأكراد إلى أوروبا، حدثت بعد انتفاضة الشعب العراقي ضد نظام صدّام حسين سنة 1991، والتي أعقبت هزيمة العراق في حرب الخليج الثانية، وانسحاب الجيش العراقي من الكويت. قمع النظام العراقي الشديد أدى إلى هرب مئات الآلاف من العراقيين، كرداً، وعرباً، وآشوريين، وسرياناً، وتركماناً، نحو دول الجوار، ومنها إلى أوروبا ودول العالم.


في سنوات التسعينيات من القرن الماضي، لجأت بعض الكوادر والقيادات والسياسيين من حزب العمال الكردستاني، ومن الأحزاب الكردية السورية، ولا سيما كوادر حزب الوحدة، إلى دول أوروبا الغربية، وبشكل خاص إلى هولندا، وألمانيا، وفرنسا، وبلجيكا.


بعد بداية الألفية، وبالتحديد بعد انتفاضة أكراد سوريا سنة 2004، وقمعهم من قبل نظام بشار الأسد، هرب الكثير من الشبان الأكراد السوريين نحو أوروبا، مفتتحين موسم الهجرة السورية الكبيرة نحو الشمال، لتزداد الأعداد بعد العام 2011، وتبلغ ذروتها في العام 2015، حين وصل مئات الآلاف من اللاجئين العرب، والأفغان، والأكراد، وغيرهم، إلى الأراضي الأوروبية.


التشكيلات السياسية الكردية في أوروبا

اعتمد الأكراد في بدايات وجودهم في الدول الأوروبية، على تأثير الشخصيات الكردية البارزة، من أجل دعم القضية الكردية سياسياً وثقافياً، ومن أجل دعم اللاجئين الأكراد في الدول الأوروبية، وتنظيم عمل الجالية الكردية التي تزايد عدد أفرادها مع مرور الوقت.


خلال السنوات، ومع موجات الهجرة المتعاقبة، نشأت حركات سياسية تابعة لأحزاب الأكراد الأساسية، أو أفرع وتنظيمات تابعة لهذه الأحزاب في الدول المختلفة، ولا سيما الحزب الديمقراطي الكوردستاني (البارزاني)، وحزب الاتحاد الوطني الكوردستاني (الطالباني)، وحزب العمال الكوردستاني (أوجلان)، وحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا (PYD)، وأحزاب أصغر عدداً وقوة، مثل حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).


شكّلت هذه الأحزاب امتداداً للأحزاب الكردية الموجودة أساساً في أجزاء كوردستان المختلفة، وتأخذ قرارها من قياداتها الموجودة في كوردستان (المقسّمة بين أربع دول رئيسية هي: سوريا، والعراق، وإيران، وتركيا)، ولكن هذا لم يمنعها من لعب دور دبلوماسي وسياسي، بالإضافة إلى العمل على الحفاظ على الثقافة والتراث الكرديَين.


هذا بدوره أدى إلى تعاظم دور الأحزاب الكردية داخل الجاليات الكردية في أوروبا، فتشكلت جماعات وقوى ضغط في الدول صاحبة القرار، وخاصةً ألمانيا وفرنسا، كما تشكّلت حركة سياسية كردية مهمة على صعيد العلاقات الكردية الأوروبية، في دولتَي النمسا والسويد.

كذلك لعب المثقّفون والأكاديميون الأكراد في أوروبا، دوراً في الحفاظ على اللغة الكردية وتطويرها، والعمل على الجوانب الثقافية والتراثية الكردية، من خلال المعاهد والجامعات والمراكز الثقافية الكردية المنتشرة في مختلف الدول الأوروبية.


وضع الأحزاب الكردية بعد موجة الهجرة الأخيرة

"ظهرت حركة كردية مستقلة عن الأحزاب الكردية في أوروبا الغربية، أو بالأحرى صارت أكثر وضوحاً، بعد وصول أعداد كبيرة من الناشطين السياسيين، والفاعلين الثقافيين، والسياسيين المستقلين، إلى أوروبا، خلال السنوات العشر الأخيرة، حتى بدا أنّ الأكراد لم يعودوا في حاجة إلى أحزابهم"، يقول السياسي الكردي المقيم في هولندا، عبد السلام نيو، لرصيف22، على الرغم من أنّ الأكراد معروفون بتنظيمهم الحزبي، وتغلغل الأحزاب السياسية في معظم بيوتهم، أينما وُجدوا.


يعود الأمر في الأحوال كلها إلى أسباب متعدّدة، فأحزاب كوردستان العراق صارت تمثل ما يشبه الدولة، وحزب العمال الكوردستاني محارَب من قبل تركيا وحلفائها، وأحزاب أكراد سوريا تعيش في ما يشبه السبات، بسبب سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) على معظم مفاصل الحكم والسياسة في شمال غرب سوريا، وبسبب بناء الحزب علاقات مباشرة مع سلطات الدول الأوروبية.


دفع هذا كله المستقلين إلى تنظيم نشاطات مستقلة، والعمل على فتح قنوات جديدة في العلاقات الكردية الأوروبية، معتمدين على الناحية الثقافية والتراثية، يضاف إلى ذلك الأموال التي يرسلها المهاجرون الأكراد إلى أترابهم في البلاد، ولا سيما في تركيا وسوريا، لدعمهم في تأمين مستلزمات حيواتهم في فترات الحرب، ليكون بذلك أكراد أوروبا نافذةً لأكرادِ كوردستان على الحياة.

٧ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page