@حكاية ما انحكت (الجزء الأول + الجزء الثاني)
"أكره الرائحة، أقرف من العملية الجنسيّة بسبب الرائحة. رائحة تشبه رائحة السجاد المُبتل" هكذا يبدأ محمد سرد قصته1. (محمد هو اسم مستعار، مثل جميع أسماء الضحايا الواردة في هذا التحقيق) ومحمد يبلغ من العمر الخامسة والعشرين وينحدر من واحدة من قرى ريف محافظة الرقة، مقيم حاليًا في مدينة برلين. قبل أن يسرد تفاصيل حكاية اغتصاب ابن عمه له وهو في السابعة من عمره برر فعل ابن عمه الذي يكبره بتسع سنوات. قال إن الضغط النفسي والاجتماعي هو الذي دفع الفتى ليقوم بما قام به. شرح لي الضغط الاجتماعي الممارس على الأفراد في قريته من الحديث الدائم عن العيب والسمعة الحسنة وصولًا إلى الفقر والجهل والكبت الجنسي. قال: "لو بقيت في القرية لكنت أصبحت معتديًا، هي دورة كاملة، المُعتدى عليه يصبح معتديًا".
كان محمد مرتبكًا وهو يحكي لي قصته. التقينا في مقهى برليني خلال شهر تشرين الثاني من العام ٢٠١٨. التقينا لسبب آخر لأنّنا على معرفة سابقة ببعضنا، سألني بطريقة خجولة عن التحقيق الخاص بالتحرش الجنسي بالأطفال الذي أعمل عليه حاليًا، كان قد أطلع على استبيان نشرتُه على شبكة الانترنت عن الموضوع. قال لي أريد أن أحكي قصتي. وحكى محمد قصته للمرة الأولى على الإطلاق.
ابن عمه المراهق، وهو قاصر أيضًا، اعتدى عليه في الغرفة التي كان يدرس بها، حينها كان محمد في الثامنة من عمره، طلب منه ابن العم الدخول إلى الغرفة وإحكام إغلاق الباب خلفه ومن ثم اعتدى عليه شرجيًا. يتذكر محمد البصاق ولزوجة المني داخله. ومثلما اعتدى عليه، كذلك فعل ابن العم الفعل نفسه مع أخيه الصغير والذي يماثل محمد بالعمر، ومن ثم أصبح ينعتهم بنعوت جنسية في القرية حتى أصبح كل الأولاد يرددون هذه الأسماء- النعوت. إحساس بالذل والضعف والدونيّة غمر محمد آنذاك. دفعت تلك الصفة التي وُصِمَ بها آخرين إلى الاعتداء عليه مثلما فعل ابن عم أبيه، والذي اغتصبه مرتين في حظيرة الغنم.
قال محمد إن ثقافة اغتصاب الأطفال أو التحرش بهم كانت منتشرة جدًا في محيطه، فكل الذين يعرفهم حصل معهم أمر مشابه.
*****
كنت أقرأ عن حوادث الاعتداء على الأطفال في الكنائس الأمريكيّة حين تذكرت حادثة اعتداء حصلت لي حين كنت في العاشرة من العمر. حينها كنتُ وحيدًا في دكان عائلتنا في شارع الثورة المزدحم في مدينة دمشق. حرّ خانق ولا زبائن في الظهيرة. كنتُ وحيدًا في مؤخرة الدكان حين دخل أحد الرجال وسألني عن البضاعة التي نبيعها. أجيبه بأدب. لا أتذكر شكله ولا أي شيء عنه الآن. كانت الحادثة قد امحت من ذاكرتي بشكل ما، وعادت للظهور مرة أخرى وأنا أقرأ عن حوادث الاعتداء.
طلب مني كأسًا من الماء، ذهبت إلى مؤخرة الدكان لأجلب له ما أراد فلحق بي. طلب مني لمس عضوه الذكري المنتصب، ومن ثم تحسس مؤخرتي بفجاجة. أراد أن يغتصبني لكن خوفه من جيراننا، عندما سمعًا أصواتًا من الدكاكين المجاورة، دعاه للمغادرة. ربما مضى كلّ شيء سريعًا خلال أقل من دقيقتين لكن هذه ليست حادثة التحرش الوحيدة التي حصلت لي.
أستطيع أن أتذكر الآن ستة حوادث منفصلة في أوقات مختلفة لبالغين، رجال ونساء، أقرباء وأغراب، تحرشوا واعتدوا علي وأنا طفل لم أبلغ الثامنة عشر. تكررت حوادث الاعتداء والتحرش منذ عمر الثامنة وحتى عمر السادسة عشرة، حينها أصبحت قادرًا على الدفاع عن نفسي والوقوف في وجه المعتدين وهذا ما حصل أكثر من مرة. لم أحكي عن هذه الحوادث حتى وقت متأخر. كنت أخاف من الضغط الاجتماعي ومن ردة فعل العائلة، لا أعرف بالضبط ما هو مصدر هذا الخوف، وما هو مصدر هذا الضغط الذي أحسست به، لكنني خفت من أن أصارح أي شخص بما حدث.
في السنوات الأخيرة وخلال أحاديث مع أصدقاء سوريين ينحدرون من مدن مختلفة وخلفيات اجتماعيّة مختلفة ساد لدينا اعتقاد بأنّ كثيرًا من السوريين تعرضوا لتحرش جنسي أثناء فترات طفولتهم وقد يكون هذا التحرش صادرًا عن أقرباء أو عن أصدقاء الأهل أو عن جيران وأشخاص غرباء. وبسبب طبيعة المجتمع (أو المجتمعات) السوري فإن الغالبيّة الساحقة ترفض الحديث عن الأمر، ويصل الأمر إلى خوف الطفل المُعتدى عليه من إخبار أهله بالواقعة.
هذه الحوادث تكون فرديّة وغالبًا ما يكون المعتدي أحد الأشخاص القريبين من الطفل: أب، عم، أم، رجل دين، جار، صديق العائلة، ابن عم، أخ… الخ، وفي بعض الأحيان يكون المعتدي هو شخص لا صلة له بالمعتدى عليه، مثل راكب سيارة أجرة أو سائق باص أو أحد زبائن دكان العائلة، مثلما حدث معي.
كل ما سبق دفعني إلى العمل على هذا التحقيق. لم أجد خلال بحثي أيّة إحصائيات رسميّة في سوريا مما دفعني إلى نشر استبيان2 يستهدف عينة عشوائيّة من السوريين ومن شرائح عمريّة مختلفة. احتوى الاستبيان على أسئلة قصيرة ومحددة. وقد استجاب مئتين وثمانية وستين شخصًا بالغًا تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والستين سنة وينحدرون من مدن وقرى سوريّة مختلفة، حسب إجاباتهم، وكانت نسبة الذكور منهم 53,4% أي 143 ذكر، ونسبة الإناث 45,5% أي 122 أنثى، وفضل ثلاثة أشخاص عدم التصريح عن جنسهم.
السؤال الرئيسي في الاستبيان هو: هل تمّ التحرش بكم عندما كنتم أطفالًا؟ النتيجة كانت صاعقة ومفزعة بالنسبة لي، فقد أجاب 71,3% من أصل 265، أي 191 شخص بـ "نعم" لقد تمّ التحرش بهم حين كانوا أطفالًا، فضلًا عن 5,2% أي أربعة عشرة شخصًا من هذه العينة العشوائية أجابوا بأنّهم لا يعرفون إن كان ما حدث معهم هو تحرش جنسي أو لا.
وسؤال آخر في الاستبيان يقول: هل تحدثت عن الحادثة سابقًا؟ أجاب عليه 203 أشخاص، 47,3% منهم أجابوا "لا"، لم يتحدثوا عن الحادثة سابقًا.
أعتقد أن ما يؤخذ على هذا الاستبيان أن المستجيب عادة ما يكون ممن تعرض لحوادث مشابهة ويحتاج إلى مكان آمن، هويته فيه مخفية، للحديث عن تجربته ومشاركتها مع آخرين.
في ورقة بحثية3 نُشرت سنة ٢٠٠٥ تحت عنوان "فهرس التحيزات في الاستبيانات" يذكر أنّ المستجيبين يميلون عادة إلى إعطاء إجابات تعبر عن الرضا أو عدمه، أو منحازة حسب مشاعر المستجيب، وليس بالضرورة عن الحقيقة. ومن هنا ميلنا إلى أنّ الإجابات على هذا الاستبيان، رغم اختلاف المواضيع، قد لا تكون دقيقة بشكل كبير، لكنها تبقى مرجعًا مهمًا في معرفة مدى انتشار ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال في سوريا، وهذا ما يؤيده المختص النفسي المقيم في مدينة برلين أغر جديد4.
يؤكد أغر جديد على "أن الحادثة تبقى في ذاكرة الشخص وإن لم يتذكرها وإنّها حادثة اعتداء لأنّها مبنيّة على العنف، فأساس العملية كلّها هو عنف، ويقوم المعتدي باستعمال العنف لتنفيذ رغباته الشخصيّة" ويزيد بأنّ الحادثة ستخرج يومًا ما إلى العلن وسيحكي عنها المعتدى عليه، رغم الخوف الذي يصاحب المعتدى عليه عادة، وقد يمتد هذا الخوف إلى ثلاثين سنة، "وإنّ ما حدث هو حادثة رضّ نفسي تحتاج إلى علاج نفسي لأنّه في الغالب تشكّل ما يسمى بالتراوما، والتراوما لا تزول من تلقاء نفسها".
يقول جديد "إنّ الجهل والكبت وعدم الحديث عن الأمور الجنسيّة وعدم الوضوح في العائلة يؤدي إلى أن يكون الأشخاص غير قادرين على الاختيار ولا يملكون الوعي الكافي للرفض"، ويؤكد على أنّ المعتدي حين يكون فتى/ مراهقًا، أو بكلمات أخرى قاصرًا تحت الثامنة عشرة من عمره فهو أيضًا ضحية الأهل وعدم تحملهم للمسؤولية إضافة إلى الكبت المجتمعي، "ولا يمكن بكل حال من الأحوال مقارنة الضحايا، من منهم هو ضحيّة أكبر، هذا يحسب فقط بالأثر الذي تتركه الحادثة عند كلّ منهما".
يؤكد المختص النفسي أغر جديد على أنّ العائلة يجب عليها أن تؤمن البيئة الأمنة للطفل قبل أن يُعتدى عليه وبعد الاعتداء إن حدث، هنا تبرز مشكلة أخرى حين يكون الأب أو الأم أو أحد الإخوة هم المعتدين، "في هذه الحالة يجب أن يكون هناك إجراء حكومي مثلما يحدث في بعض الدول الأوروبيّة وأن يؤخذ الطفل من العائلة وأن يتم وضعه في بيئة مناسبة وآمنة للعيش".
*****
رشا، من الأشخاص الذين تحدثت معهم خلال بحثي عن موضوع التحرش الجنسي بالأطفال في سوريا وهي تبلغ السادسة والعشرين من العمر وتنحدر من واحدة من الأقليات المسيحيّة5 التي تتجمع بشكل رئيسي في واحدة من الأرياف السوريّة. حكت لي6 قصتها وحاولت مساعدتي قدر الإمكان بالوصول إلى قصص لاعتداءات أخرى حصلت في مناطق سوريّة مختلفة.
حدثتني بقصتها دون أن أسألها أي شيء. قالت إنّها ستحكي قصتها لي، وسأكون أول شخص خارج دائرتها المقربة، زوجها وبعض الأصدقاء، الذي سيعرف بما حدث. طلبت مني حجب أسماء الأشخاص والأماكن خوفًا مما سيحدث داخل طائفتها وعائلتها والضغط الذي سيشكله ذلك على حياتها وعلى حياة عائلتها، لذلك اسمها رشا هو اسم مستعار ولن أذكر أي من الأسماء أو الأماكن حرصًا على خصوصيتها.
كانت رشا منذ طفولتها ترتاد الكنيسة وحين أصبحت في سن المراهقة أصبحت عضوًا في شبيبة الكنيسة، كانت تقضي عطلة الصيف كلّها في الكنيسة هربًا من البيت ومشكلات البيت وإهمال والدها للعائلة. كان راعي الكنيسة المحلية شخصية جذابة ومغرية، فهو "قائد مجتمعي له أفعال ثوريّة"، كما أنّه أب لابنتين، واحدة من ابنتيه تماثل رشا بالعمر لذلك كانت رشا تقضي الكثير من الوقت في بيتهم وتنام هناك أحيانًا، فأهلها، مثل كلّ سكان المنطقة، يثقون بالرجل ثقة عمياء.
في صيف سنة 2006 وكان عمر رشا آنذاك ثلاثة عشرة سنة. كانت تنام في بيت الرجل عند صديقتها، ابنته، حين أيقظها ليلًا وطلب منها اللحاق به. كان في مرات سابقة يتلمس جسدها بشكل غريب لكن ثقتها العمياء به حالت دون أن تراودها شكوك بنواياه. في تلك الليلة وفي غرفته الخاصة قال لها إنّه سيعلّمها أمورًا جنسية كالفرق بين الرجل والمرأة. قال لها إنّها قد بلغت سنًا قد تواجه فيه مشاكل جنسيّة وهو يريد حمايته كيلا يستغلها أي رجل. بدأ بتلمسها وتقبيلها ومارس معها الجنس اليدوي حتى بلغ نشوته.
"كنت خائفة ومضطربة، لم أكن أعرف شيئًا، لم أكن أعرف ما الذي تعنيه كلمة <أورجازم> سألني: 'بدك جبلك ياه' كنت أظن بأنّه يقصد الدورة الشهريّة. في تلك الليلة بلغني الحيض. كنت أتألم بشدّة. في اليوم التالي أصابتني حمى شديدة، أذكر كيف كنت أبكي في ذلك اليوم. تكرر الأمر نفسه ست مرات في ذلك الصيف. كان الأمر يتم دائمًا في غرفته الخاصة -مكتبه- كان يختار دائمًا أوقاتًا لا يوجد فيها أي شخص. توقف عن فعل هذا الشيء، الذي لم أكن أعرف اسمه، حين خاف أن أفضحه، خاصة وأنّني بدأت أتجنبه في كلّ الأماكن".
في البيت كان هناك حاجز غير مرئي يمنع رشا عن الحديث في الأمر، فضلًا عن الخوف الذي كان يرافقه وعن شعورها الدائم بأنّها صاحبة الذنب. بعد ذلك التاريخ بخمس سنوات اندلعت الثورة السوريّة وكانت رشا آنذاك طالبة جامعيّة. قررت أن تواجه راعي الكنيسة المحليّة وهددته بالفضيحة إن فعل الشيء نفسه مع أطفال آخرين، كانت وبسبب طبيعة البيئة المحلية ونشاطات الكنيسة على اتصال دائم به.
في سنة الثورة الثانيّة، كانت رشا في لبنان وأرادت العودة إلى سوريا، قيل لها بأنّها مطلوبة للنظام السوري، طلبت المساعدة، فهبّ رجل الدين المسيحي للمساعدة. أدخلها إلى البلاد بسبب علاقاته الجيدة مع رجالات النظام السوري. قبل التوجه إلى بلدتهم توقفوا لليلة في قرية قريبة بسبب اشتداد المعارك في الطريق. لسوء حظ رشا أنّها مرضتْ في ذلك اليوم، وقام هو على رعايتها. في تلك الليلة اغتصبها. لم تستطع رشا الرفض، قالت بأنّها كانت قد فقدت من قبل عذريتها نفسيًا معه، "ما كان بدي... بس ما قدرت قول لأ، لأنه كسرني نفسيًا، كسر كلّ شي وقدر يتحكم فيني. حتى اليوم لما بتذكر هالشخص بتصيبني حالة انكسار".
*****
في حديث لاحق7 مع المحاميّة غنى بديوي، المقيمة في كندا، قالت إنّ خطورة فعل التحرش الجنسي بالأطفال تكمن في كون المتحرشين عادة أفراد من أسرة الطفل المتحرش به، أو الأفراد القريبين منه، لذلك نجد أنّ المشرّع القانوني يلجأ عادة إلى وضع عقوبات قاسية تتناسب وبشاعة الجرم، "لكن المشرّع السوري لم يعط جرم التحرش بالأطفال بابًا منفردًا لكنه شمله ضمن قائمة الأفعال المنافية للحشمة جنائية الوصف القانوني".
قانون العقوبات السوري8 ينص في المادة 489 المعدل سنة 2013:
1- من أكره غير زوجه بالعنف أو بالتهديد على الجماع عُوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة على الأقل.
2- ولا تنقص العقوبة عن إحدى وعشرين سنة إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من عمره.
وينص القانون في المادة 505 على أنّه "من لمس أو داعب بصورة منافية للحياء قاصرًا لم يتم الخامسة عشرة من عمره، ذكرًا كان أو أنثى، أو فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة دون رضاهما عوقب بالحبس مدة لا تتجاوز السنة ونصف". كمّا جرّم المشرّع السوري الكلام اللفظي الدال على التحرش في المادة 506: "من عرض على قاصر لم يتم الخامسة عشرة من عمره أو على فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة عملًا منافيًا للحياء أو وجه إلى أحدهم كلامًا مخلًا بالحشمة عوقب بالحبس التقديري ثلاثة أيام أو بغرامة لا تزيد على خمسة وسبعين ليرة سوريّة أو بالعقوبتين معًا".
لكن مشكلة هذه العقوبات تكمن، حسب قول المحاميّة غنى بديوي، في إثبات حدوث الواقعة، فالإثبات بحاجة إلى شهود وإلى فحوصات طبيّة وتلك مشكلة عمليّة في مجتمع محافظ كالمجتمع السوري. لذلك ترى السيدة بديوي أنّه "من الأجدى أن يفرد القانون السوري بابًا مختصًا بالجرائم التي تقع على الأطفال وذلك لحساسيّة وخصوصيّة هذه الجريمة".
ولمقارنة القانون السوري مع بعض قوانين دول الجوار، نسرد بعض قوانين هذه البلدان:
ينص قانون العقوبات اللبناني9 في المادة 503 على أن "من أكره غير زوجه بالعنف والتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات على الأقل ولا تنقص العقوبة من سبع سنوات إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من عمره".
وينص قانون العقوبات الأردني10 في المادة 292 على أن "من واقع أنثى (غير زوجه) بغير رضاها سواء بالإكراه أو بالتهديد أو بالحيلة أو بالخداع عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة. كلّ شخص أقدم على اغتصاب فتاة لم تتم الخامسة عشرة من عمرها يعاقب بالإعدام، وتكون العقوبة الأشغال الشاقة عشرين سنة إذا كانت المجني عليها قد أكملت الخامسة عشرة ولم تكمل الثامنة عشرة من عمرها".
*****
بعد الثورة السوريّة وتحولها لاحقًا إلى حرب أهليّة مفتوحة تذكر الكثير من المصادر إنّ معظم الأطراف المتحاربة استعملت الجنس، وخاصة الموجه ضد النساء، كأداة حرب وإذلال، وكثير من هذه الحالات كانت النساء ممن لم يتجاوزن السن القانونيّة، أي ثمانيّ عشرة سنة، أيّ أنهنّ قُاصرات، فتم اعتقال الكثير من قبل النظام السوري بشكل رئيسي وتعذيبهم والتحرش بهنّ حسب شهادات ناجيات من معتقلات النظام السوري11، كما أنّ بعض الأطراف الأخرى وبخاصة تنظمات جهاديّة مثل جبهة النصرة وداعش ممن أسروا فتيات صغيرات ومن ثمّ تمّ التعامل معهن كسبايا وكأدوات جنسيّة. لا توجد أرقام دقيقة أو إحصائيات لعدد الأطفال الذين تم استغلالهم جنسيًا في الصراع لكن يمكن الإطلاع على التقرير الذي نشره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في شهر شباط 2018 تحت عنوان <"لقد فقدت كرامتي": العنف الجنسي والجنساني في الجمهوريّة العربيّة السوريّة>12 والذي يبدأ بالجملة التالية: "إنّ العنف الجنسي والجنساني ضد النساء والفتيات والرجال والفتيان هو قضية حاضرة ومستمرة في سوريا منذ اندلاع الانتفاضة في عام 2011".
وفي مخيمات اللجوء والنزوح تحضر قضية التحرش الجنسي ضد الأطفال لكن الأوضاع المعيشيّة الصعبة والتحفظ الاجتماعي والخوف من قوانين دول اللجوء إضافة إلى الخوف من الوصمة الإجتماعيّة والضغط المجتمعي الممارس على الأفراد يحول دون قدرة الأهل أو الأطفال على الإفصاح عن حوادث التحرش الجنسي.
في محاولة للحصول على معلومات كافيّة عن حوادث واعتداءات حصلت في مخيمات لبنان استطعت التواصل13 مع مساعدة نفسيّة في واحدة من المنظمات العاملة مع اللاجئين السوريين في لبنان، رفضت الكشف عن اسمها، قالت إنّ الأهل وسكان المخيمات يرفضون الإفصاح عن حالات التحرش الجنسي بأطفالهم إن عرفوا بها، كما أكدت أنّها "خلال ثلاث سنوات عمل مع هذه المنظمة تعاملت مع حالتي تحرش جنسي فقط".
*****
منذ بدأت العمل على هذا التحقيق وصلتني العديد من رسائل دعم من ضحايا تحرش جنسي واغتصاب واعتداء، معظم هذه الرسائل تتمحور حول أهمية الحديث عن هذه الظاهرة المنتشرة بكثرة في المجتمع السوري دون أن تظهر للعلن. كما وصلتني العشرات من الرسائل، عن طريق موقع فيس بووك أو عن طريق البريد الإلكتروني أو عن طريق الاستبيان الذي نُشر في شهر تشرين الثاني 2018 والذي احتوى في "سؤاله" الأخير عن رغبة الأشخاص بذكر هذه الحوادث فوصلني عن طريق الاستبيان فقط حوالي مئة رسالة/ قصة.
هذه الرسائل تحكي قصص الحوادث التي وقعت لأصحابها خلال سنوات الطفولة. سأذكر هنا بعض أجزاء من هذه الرسائل كما وصلتني دون أن أغير فيها شيئًا. هذه الحوادث حصلت في مدن سوريّة مختلفة وخلال سنوات مختلفة.
(1)
أنا معاق حركيًا… ذهبت أمي للعرس وتركتني عند أبي، لا أعلم السبب، ولكنني كنت أعلم وقتها ولسبب ما، أكره وبشدة ان أُترك مع أبي عند ذهاب امي لأي حفلة! كانت يومها حرارتي مرتفعة (كما يحدث في كل مرة تتركني أمي وتذهب). ظننت وقتها أنه يدخل فيي تحميلة ولكنها لا تدخل بشكل سليم مما يضطره لإعادة إدخالها سريعًا، وفي النهاية تم حقني بسائل دافئ ما!
(2)
قريب لي تحرش بي وعأثرها مرضت لمدة أسبوع وأثناء ارتفاع حرارتي بالهذيان تحدثت عن الحادثة وعندما سألتني أمي أنكرت خوفًا من أن يقع اللوم علي.
(3)
من تحرش بي هو أحد الأقارب، لم أجرؤ على الحديث لأحد إلا بعد سنين طويلة. بالطبع، لم أواجه المتحرش خوفًا من وقع المواجهة على الأشخاص المقربين منه.
(4)
أستاذ سباحة قام بالتحرش بي بمسبح لتعليم الاطفال.
(5)
اغتصاب كامل من قِبل دكنجي الحارة ولم أتحدث عن الموضوع حتى بلغت سن الـ 23 وإلى الآن عائلتي لا تعرف بالموضوع.. فقط بعض الصديقات والأصدقاء.
(6)
في طريق العودة من المدرسة إلى المنزل كنت استخدم الميكروباص، تم التحرش في مرتين من قبل رجلين بعمر الأربعين وما فوق.
(7)
حصلت بالجامع لما كنا صغير عم احفظ قرآن. الأستاذ كان يلمّس على أفخاذي عدة مرات. شعور مقرف بصراحة. حكيت بالموضوع من جديد يعني لما صار عمري 32.
(8)
كنت نايم عند بيت ستي نمت مع ابن خالي أكبر مني بالعمر. وتم التحرش بأعضائي. اللي بتذكروا من بعدها إني صرت انطوائي بعد ما كنت مشاكس وماعاد حكيت مع حدا شي سنة ولا طلعت من البيت وحملت حالي مسؤلية لي صار وكنت كتير اخجل من حالي وحس اني اقل من غيري. مع إنو بوقتها ما فهمت شو صار ولا كان عندي التوصيف للحادث إنو اسمو تحرش. كان امر صعب علي كطفل.
(9)
تم التحرش بي عن طريق أستاذ فنون كبير بالعمر (كان عمره أكثر من ٥٠ عامًا) أصر على ان أبقى في مرسمه حتى بعد خروج كل الطلاب بحجة "إني بطيئة بالرسم ولازم خلص هالرسمة اليوم" أنا شعرت بشعور مريب وأخبرته إنو لازم روح، لكنه استخدم سلطة الاستاذ وخجلني، أخدلي غراض الرسم لعند طاولتو وقعدني جنبو وما ضل غيرنا بالمرسم، بدأ بشعري بعدين رقبتي، بس تركت كل الغراض وهربت بسرعة وكان وضعو واضح انو مثار جدًا جنسيًا.
ملاحظة صغيرة: الرجل كان متزوج حديثًا.
(10)
أبي شيخ بالجامع. ليس الشيخ الذي يقوم بالخطبة إنما قارئ قرآن.
أول مرة عمل معي أبي سكس من الشرج كان عمري 14 سنة. علمني كيف اسكت وما صرخ وما خبر امي لأنه رح يعاقبني عقابًا شديدًا. كان أبي كتير حازم وقاسي وبخوّف. لكنه يوم يلي كان يعمل معي هالشي كان يصير كتير حنون وحباب و يعاملني بتمييز عن باقي إخوتي. هاد الشي خلاني حب هالشي ومع الأيام وصار عادة. ضل ينيكني من ال14 لحتى صرت بالجامعة ورحت عالشام.
الهوامش
1- مقابلة شخصية في برلين بتاريخ 28 تشرين الثاني 2018
2- نشر الاستبيان بتاريخ 26 تشرين الثاني 2018 على مواقع التواصل الاجتماعي وتم الاستجابة من 268 شخص خلال شهري تشرين الثاني وكانون الأول 2018
3- Preventing Chronic Disease
VOLUME 2: NO. 1 JANUARY 2005
A Catalog of Biases in Questionnaires
Bernard C.K. Choi, PhD, Anita W.P. Pak, PhD
4- مقابلة شخصية في برلين بتاريخ 4 كانون الثاني 2018
5- المقصود بأقلية مسيحية، أنّ الفتاة تنتمي إلى طائفة من الطوائف المسيحيّة المختلفة وتعداد أتباع هذه الطائفة في سوريا قليل.
6- مقابلة عن طريق مكالمة صوتية عبر تطبيق ماسنجر بتاريخ 29 تشرين الثاني 2018
7- تواصل بشكل شخصي عن طريق الإيميل والمكالمات الصوتية خلال شهر شباط 2019
8- للإطلاع على قانون العقوبات السوري https://goo.gl/q9iHmy
9- للإطلاع على قانون العقوبات اللبناني https://goo.gl/i2skzx
10- للإطلاع على قانون العقوبات الأردني https://goo.gl/nCggLV
11- يمكن الإطلاع على تقرير لتلفزيون دويتشه فيله عربية عن شهادة إحدى الناجيات من معتقلات الأسد https://goo.gl/jUBFFY
12- Human Rights Council
Thirty-seventh session
26 February – 23 March 2018
Agenda item 4
Human rights situations that require the Council’s attention.
“I lost my dignity”: Sexual and gender-based violence in the Syrian Arab Republic
13- تمّ التواصل عن طريق تطبيق واتساب خلال شهر كانون الثاني 2018
Comments