@ رصيف22
"أضافت المحاكمة خاتمة لقصة اعتقالي، ففي السابق كنت أقول إنّه قد تمّ اعتقالي وأسر حريتي وانتهاك حقوقي، أما اليوم أستطيع إكمال القصة والقول إنّني ساهمت بمحاكمة أحد أولئك الذين فعلوا ذلك وأعدت جزءاً من كرامتي المنتهكة".
جاء ما سبق ضمن مرافعة رُهام هوّاش، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2021، والمتضمَن في المرافعات النهائيّة للمدعيّات والمدعين المشاركين في المحكمة الإقليمية العليا في مدينة كوبلنز الألمانيّة، أو ما يعرف باسم في محاكمة الخطيب، والتي يتم فيها محاكمة الرئيس السابق لقسم التحقيقات في فرع 251 التابع للمخابرات العامة السوريّة في دمشق، أنور رسلان.
ألتقيتُ رُهام هوّاش، بعد أيام قليلة من نشر هذا التصريح، في بيتها، في العاصمة الألمانيّة، برلين. بيتها واسع يشعر المرء فيه بالراحة منذ دخوله وحتى لحظة خروجه، وكأنّه قد عاش سابقاً في هذا البيت الذي يدخله الضوء من كلّ الاتجاهات. منزلها "نظيف مثل عين الديك" وتتشاركه مع قط اسمه "زعتر". بيتها يشبهها، كلّ شيء فيه منظم، وفي مكانه، لا فوضى ولا "كركبة"، كلّ الأشياء واضحة ومتموضعة في مكانها. لا مفاجآت.
بسبب حساسيتي من القطط، نخرج من البيت لنكتشف أجزاء مختلفة من برلين. نتوجه إلى وسط المدينة، إلى القرب من موقع سجن بارنيم المركزي للنساء، والذي سُجنت فيه المناضلة والمفكرة روزا لوكسمبورغ. "في هذا الموقع الذي نقف فيه هتف الناس لحريّة روزا لوكسمبورغ" قالت رُهام.
سُجنت لوكسمبورغ لأسباب سياسيّة، ولفترات متقطعة، في هذا السجن خلال أعوام 1907، 1915، 1917، وذلك بسبب نشاطها السياسي ضدّ قيام الحرب العالميّة الأولى، شاركت خلالها عدداً من النساء المحكومات جنائياً، بجانب أخريات سجنّ لأسباب سياسيّة. في ذلك السجن الذي تمّ إنشاؤه في العام 1864، كتبت روزا لوكسمبورغ وناضلت ضدّ قيام الحرب.
تمّ هدم السجن في العام 1974، كي لا تعاد الفظاعات التي ارتكبت بداخله، ولا سيما في زمن ألمانيا النازيّة، مرة أخرى، وبُنيت في المكان مدارس تعليميّة ومراكز نشاطات رياضيّة ومدنيّة مختلفة.
اختارت رُهام هوّاش، الواصلة إلى ألمانيا في نهاية العام 2012، ذلك المكان لنمشي حوله بسبب رمزيته الكبيرة بالنسبة إليها. ذلك المكان الذي تعرّفتْ عليه من خلال رحلات مشيها الممتدة لساعات طويلة، وحيدة أو مع أصدقائها في شوارع المدينة، "أمشي وأمشي وأمشي لأعرف المدينة أكثر، المشي هو رياضتي المُفضّلة".
عاشت رُهام، الفلسطينيّة السوريّة، في سنواتها الأولى في مدينة هامبورغ، شمال البلاد، وانتقلت للعيش في برلين خلال العام 2020. "في برلين أكاد لا أشعر بالغربة، أصدقائي وصديقاتي فيها أعرفهم مذ كنتُ أعيش في سوريا، أولئكِ هم سندي في هذه البلاد، ووجودهم يخفّف من شعور الغربة"، تقول رُهام.
درست هوّاش الاقتصاد وحصلت على درجة الماجستير في دراسات الأمن والسلام، شاركت في الثورة السوريّة السلميّة منذ بدايتها في أواسط آذار 2011، ونشطت في المجتمع المدني والحركات الشعبيّة غير العنفيّة، وشاركت في لقاءات سياسيّة عديدة، وهي عضو حالي في مجلس إدارة اتحاد المنظمات الألمانيّة السوريّة، ومشاركة دوريّة في كتابة أبحاث ودراسات حول الشرق الأوسط.
عملها الرئيسي هو نائب مدير منظمة إمباكت للبحث والتطوير في مجال المجتمع المدني، المنظمة التي شاركت في تأسيسها في العام 2013، وهي منظمة غير ربحيّة تهدف إلى "إنشاء مجتمع مدني نشط عالمياً ومتصل جيداً، ليمثّل حجر الزاوية للتغيير الاجتماعي والسياسي".
تجيب عند سؤالها عن طبيعة عملها، "أقوم بكلّ شيء، وفي النفس وقته لا أقوم بفعل شيء محدّد". مثلها مثل مايسترو فرقة موسيقيّة، أو مخرج/ة فيلم سينمائي، تنسق أعمال الجميع حين لا تمشي الأمور مثلما خُطط لها، تتدخل في العمل حين يطلب منها زملاؤها وزميلاتها التدّخل من أجل حل مشكلة ما، تكتب وتنسّق وتحضر الاجتماعات، عملها هو المركز الذي تدور حوله حياتها، "أعمل لساعات طويلة جداً، ربما أكثر من اثني عشر ساعة في اليوم" تقول وهي تمشي في إحدى حدائق برلين الكثيرة.
نصعد أحد التلال القليلة في المدينة، تنظر إلى الأبنيّة الممتدة أمامها وتقول: "كلّ شيء سوريالي، ما الذي يعنيه عيشي في برلين؟ ما الذي يعنيه أن يكون عندي هذا البيت البعيد عن بلادنا؟ كل شيء سوريالي." تحكي قليلاً عن الحياة في ألمانيا، عن الشمس المفقودة في هذه البلاد، وعن تعبها من العيش فيها.
"ما الذي تعنيه محاكمة ضابط مخابرات سوري في ألمانيا، بالنسبة لكِ وأنتِ لاجئة سوريّة في ألمانيا، وقبلها لاجئة فلسطينيّة في سوريا؟" أسألها من دون مقدمات، تسكت قليلاً ومن ثمّ تجيب: "الذي تعنيه المحاكمة، أنّ العدالة لا تعرف حدوداً ولا جنسيات".
لا تنسى رُهام هوّاش أيام اعتقالها وتعذيبها في سوريا، ولا تنسى المعتقلين والمعتقلات في سوريا اليوم، إيماناً منها بالحريّة التي يستحقها كلّ البشر. تنهي هوّاش مرافعتها المتضمَنة في المرافعات النهائية أمام المحكمة الإقليمية العليا في مدينة كوبلنز بالقول إنّها تؤمن "أن حكم هذه المحكمة هو بالتأكيد، ليس العدالة للسوريين والسوريات ولن يكون بديلاً لإيجاد حل شامل ومستدام لقضيّة المعتقلين والمعتقلات ولقضيّة سوريا ككلّ، لكن لا بدّ أن يكون هذا الحكم دعوة صارمة للحكومة الألمانيّة ولكلّ حكومات العالم للقيام بفعل حقيقي وإنقاذ من لا يزال من الممكن إنقاذهم داخل زنازين النظام وفي سجنه الكبير المسمى سوريا الأسد".
Kommentare