top of page
صورة الكاتبDellair Youssef

"غير مباشرة ومغلفة بالتعاطف"... قصص عن "العنصرية" في ألمانيا


"اضطررت إلى ترك بلدي في سياقات سياسية معينة، ومررت بظروف صعبة، قبل الوصول إلى برلين. كنت أظن أن برلين هي المكان الآمن، ومكان الاستقرار الذي أبني فيه حياتي، وحياة عائلتي، لكن المجهود الذهني والطاقة اللذين يحتاج إليهما هذا المكان، ولم أكن أعرف عنهما شيئاً من قبل، وبدأت أتعلمهما الآن، يأخذان مني الكثير"، تقول الصحافية المصرية بسمة مصطفى، لرصيف22.


في بداية العام 2020، وبعد انتقاله من برلين للعيش في مدينة لندن، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية، حواراً مع الفنان الصيني المعاصر، آي ويوي، الذي يُعدّ أحد أهم الفنانين قوةً وتأثيراً في العالم، يقول فيه إنّ "الفاشية هي الاعتقاد بأنّ أيديولوجيا ما، أعلى من غيرها، ومحاولة تنقية هذه الأيديولوجيا من خلال نبذ أنواع التفكير الأخرى. هذه هي النازية، وبالتأكيد فإنّ هذه النازية موجودة في الحياة اليومية الألمانية اليوم".


يسرد آي ويوي، في تلك المقابلة، تجارب عنصرية عديدة مرّ بها، خلال سنوات إقامته في برلين، حتى قرّر أخيراً مغادرة ألمانيا، والعيش في مدينة أخرى. ليست العنصرية الموجهة ضد الآسيويين، هي نوع العنصرية الوحيدة التي يُقابَل بها سكّان ألمانيا من غير البيض.

العنصرية المركّبة في الحقل الثقافي

"ليس من السهل شرح شكل العنصرية"، يقول مصمّم الغرافيك والناشر الفلسطيني، وأحد مؤسسي مكتبة خان الجنوب، فادي عبد النور، لرصيف22. يشرّح عبد النور العنصرية المؤسساتية الثقافية الألمانية، مُقسّماً إياها إلى طبقات عديدة، مما يجعلها عنصريةً غير مباشرة، مغلّفة بالتعاطف وحب المساعدة، وفيها صورة نمطية تتحكم بها الكثير من العوامل، مثل عرض السوق وطلبه، والاستشراقية المركزية الأوروبية.

يقول المخرج المسرحي السوري، أنيس حمدون، لرصيف22، في سياق الحديث عن تنميط الفنانين العرب، إنّه "من الملاحظ بوضوح بين العاملين في الوسط الثقافي الألماني، أنّ طريقة تعامل المؤسسات الثقافية مع غير الألمان (وفي هذه الحالة أحكي عن السوريين بشكل خاص)، من خلال وضع الفنانين في خانة اختصاصها الحروب والدمار، حيث يتم التعامل معنا وكأنّنا نعرف شيئاً واحداً فقط، وهو التعامل مع الحرب. هناك جهل وفوقية كبيرة في التعامل معنا".


"مثلاً، يمكنك الحصول على تمويل لإنتاج فيلم عن داعش، أو فيلم عن الحرب في سوريا، لكن ليس من السهل أبداً الحصول على تمويل لإنتاج دراما مجتمعية في الجزائر على سبيل المثال"، يقول عبد النور، ويضيف أنّه دائماً ما يُعرض العرب في صورة فيها الكثير من "التعتير"، مثلاً "لا نرى أجساداً بيضاء ميتة، إلّا نادراً، بينما أجسادنا مستباحة. هذه الأشياء مكرّسة بشكل غير محكي، في الثقافة والفن".

يُنبذ من يخرج عن إطار "الصورة النمطية"

تكاد لا تختلف صورة "التعتير" هذه التي ترافق الفنان غير الألماني مع مؤسسات ثقافية ألمانية تعمل وتدعم فنانين لاجئين، لأسباب قد لا يكون للاجئين أي علاقة بها، ومَن يملك أفكاراً مختلفة عن الصورة النمطية التي وضعتها هذه المؤسسات للّاجئين، أفكاراً لا تنطوي تحت إطار هذه الصورة النمطية، يُنبَذ، ويُبعَد عن دوائر صناعة الثقافة والفن. هكذا تُعاد صناعة الصورة نفسها آلاف المرات، "من دون الوصول إلى مخرجات حقيقية مؤثرة وفعّالة".


قد تكون هذه الحقيقة قاسية، لكن يشعر الفنانون القادمون من بلادٍ شرق أوسطية، أو آسيوية، بأنّ المجتمع والمؤسسات الثقافية تحصرهم في إطارٍ ضيق، وهو إطار اللاجئين الهاربين من الحروب.


يقول أنيس حمدون، لرصيف22، إنّ المؤسسات الثقافية الألمانية تحصر "الأجانب" في إطار ضيق جداً، ولا يمكن تبرير هذه الأفعال، إلّا في إطار "الجهل الفظيع، أو العنصرية"، ويضيف خلال حديثه أنّه يعمل باللغة الألمانية، ويصنع مسرحيات بالألمانية، لتُعرض على مسارح ألمانية، وأنّه يعطي دروساً في جامعات ألمانية، وعلى الرغم من ذلك، يتم حصره في إطار ضيق، أقل من قدراته بكثير، وشعوره هو أنّ هذه المؤسسات عنصرية، فهي، حسب حمدون، "لن تعطيك حقك، لأنّها تنظر إليك كلاجئ أولاً، وكابن حرب ثانياً، ومن ثمّ يأتي الفنان. هذه المؤسسات لا تعترف بجودتك كفنان، بل كلاجئ. لا يُمكنها رؤية الفنان فحسب، حتى بعد سنوات طويلة من العيش في هذه البلاد".


ويضيف حمدون أنّه يعرف أشخاصاً درسوا، وتخرّجوا، وعملوا في ألمانيا سنواتٍ طويلة، ويُعدّون من أبناء المدرسة التعليمية الألمانية، إلّا أنّهم محصورون في تقديم أدوار اللاجئين، والإرهابيين، والصورة النمطية للعرب.


تعامل يومي مستنزف

تسرد الصحافية المصرية بسمة مصطفى، المقيمة في ألمانيا منذ خمسة أشهر، حوادث عنصرية تتعرّض لها يومياً، وتقول لرصيف22، إنّ التعامل اليومي البسيط يستنزفها بشكل كامل، طوال الوقت، وتضيف قائلةً: "أعيش في ألمانيا منذ خمسة أشهر، وأتعرّض لحوادث عنصرية وتمييزية بشكل شبه يومي، وهذا ما يجعلني خائفةً جداً من فكرة التقدّم للعمل في مؤسسات ألمانية ثقافية مختلفة، لأنّني أخاف من أن أتعرّض للرفض بشكل عنيف، مثلما يحدث لي في الشارع يومياً".


تضيف مصطفى: "أتعرض لمواقف عنصرية تنبع من اللا شيء، عند الطبيب، وفي الحافلة، وفي السوبرماركت... الخ. أستيقظ كلّ يوم وأفكّر في كيف ستكون ردود أفعالي، وما سأتعرض له في الشارع، ما يخلق عندي ضغطاً نفسياً كبيراً جداً".

حسب تجربتها الشخصية، تقول بسمة مصطفى، لرصيف22، إنّها تتعرض للعنصرية بكثافة، وعلى المستويات كلها، وعلى الرغم من ذلك لا تريد التعميم، لكن تجربتها القصيرة لم تكن سلسةً، من خلال تعاملها مع سكّان ألمانيا. فهذه البلاد، حسب مصطفى، "ليست عنصريةً تجاه الفنانين والصحافيين العرب فحسب، بل هي عنصرية أيضاً تجاه المختلف عنها، سواء في اللون، أو في اللغة، أو في الشكل". وتكمل بسمة مصطفى حديثها قائلةً إنّها لا تستطيع حتى الآن تحديد ما إذا كانت هذه العنصرية ثقافةً عامة، لأنّ السلطات تقول عكس ذلك، ولوجود قوانين مكافحة العنصرية والتمييز.


تقول أروى ح. (اسم مستعار لأسباب شخصية)، لرصيف22، إنّ تجربتها في مدن ألمانية مختلفة، كانت مليئة بالعنصرية: "كنتُ أتعرض لمواقف عنيفة بسبب شكلي، وبسبب ارتدائي الحجاب. كنت أتعرض للدفع في محطة قطارات الأنفاق مثلاً، وكنتُ أتعرض لشتائم وتعنيف لفظي بشكل دائم".


لاحقاً، وبعد نزع أروى الحجاب، لأسباب متعلقة بقناعاتها الشخصية، أصبحت العنصرية تمارَس في المؤسسات والأماكن التي تذكر فيها أروى هويتها العربية، أو السورية، كأماكن العمل، وعيادات الأطباء.

إلى أين نهرب من العنصرية؟

معظم اللاجئين/ ات العرب في ألمانيا، هاربون/ ات من بلاد مزّقتها الحروب، والاحتلالات، والديكتاتوريات، وباحثون/ ات عن حياة تحترم الحريات، والإرادة، وخيارات الفرد الشخصية، فصاروا (صرن) يواجهون يميناً شعبوياً، وعنصريةً تتعاظم يوماً بعد يوم، عنصرية فاشية، قادرة على إلحاق ضرر كبير بنا. لكن إلى أين نهرب؟


لا بلاد لنا، فبلادنا يحكمها أفراد لا همّ لهم سوى السلطة المطلقة، فنُقتَل، ونعذَّب، ونُسجَن في بلادنا، وعندما نصل إلى بلاد اللجوء نواجَه بعنصرية، ولا نستطيع أن نحيا حياةً عادية تشبه الحياة. إلى أين نهرب من الغباء، والجهل، والتطرف؟


تركنا بلادنا، وبيوتنا، وأهلنا، وأحبابنا، بحثاً عن مكان نستطيع فيه التفكير، والقول، والتعبير، بعيداً عن الديكتاتورية، والاحتلال، والتطرف، والجهل، لكنّنا فوجئنا بمناصري التطرف، والجهل، ومحبّي الديكتاتورية، وحامليها، يحاصروننا من جهة، ومن جهة أخرى يحاصرنا العنصريون الفاشيون الذين لا يريدوننا في هذه البلاد. فأين المهرب؟ وأين هو المكان الذي نستطيع أن نعيش فيه من دون خوفٍ، وبحرية؟

٤ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comentarios


bottom of page