@ النهار 2013
يبدأ الراقص ذو الأصول العراقية محمد عقيلي رحلته البحثية، خائضاً في مسارات الصوفية حول العالم وانعكاسات ذلك على الرقص المعاصر، من خلال عروض متتابعة كان أولها في بيروت ضمن مجال "زقاق"، مترافقاً مع خليط من الموسيقى الصوفيّة المعاصرة، ثم عرض في "قصر المانشن" رافقه فيه عازف الغيتار طلال ديركي وعازف العود درويش درويش، كما صاحبته في العرضين الراقصة السورية سيرين ملص، معتمداً في ذلك على قصة "أكان لا بد يا لي لي أن تضيئي النور؟" للكاتب يوسف إدريس.
يذهب عقيلي بعيداً في خفايا الدين ويدخل في بعض التفاصيل المحرّمة كعلاقة حبّ تجمع رجل دين منزّهاً عن الرغبات بإحدى الجميلات، في حين أنه يُعتبر ممثلاً لماهيّة الإيمان والعفة والأخلاق، وفي بعض المجتمعات يصير ممثلاً للاهوت نفسه، إلى درجة يصبح فيها فرض التقى والتقشف ونبذ الرغبات أمراً لا مناص منه لمَن يفكر في أن يتبوأ هذه المكانة. يدخل عقيلي إلى أماكن لا يحبذ رجال الدين دخول الغرباء إليها، يبحث عن حقيقة وجود الله، وعن طرق عبادة هذا الإله في مختلف الديانات ذات الطابع الصوفي.
يقول: "وجدت خلال بحثي أن الصوفية في أكثر من دين، ليس في الإسلام فسحب، بل تراها في الزرادشتيّة والبوذيّة وغيرها من ديانات الشرق القديمة"، معللاً بذلك انتقاءه موسيقى بعيدة عن التراث الإسلامي، كما يفسر حركاته الراقصة بأن انتماءها "غير محدود بجغرافيا محددة، بل تمتد لتشمل الصوفية في العالم كلّه".
يحاول الراقص العراقي أن ينقل الحالة الصوفية الحركية من حالة تصوف وعبادة إلى حالة مسرحية، فالصوفية تحوي كلّ لوازم العرض المسرحي الراقص، من قدرتها على التعبير بالإيماء والحركة إلى قدرتها على شدّ الجمهور، من مختلف الطبقات الاجتماعيّة، أي أنها ليست فناً من فنون النخبة.
"أحاول أن أخلق شيئاً سأطلق عليه مجازاً اسم المسرح الصوفي"، يجيب عقيلي عند سؤاله عمّا يحاول خلقه من خلال مختبره الصوفي، بنقل الصوفية من ذلك المكان البعيد المبهم عنّا إلى الناس في كل مكان. لا ضرورة لمسرح حقيقي، من الممكن أن يُقدَّم العرض في أحد الأنفاق أو في أحد الشوارع، "من المهم أن تكون قريباً من الناس، كي تستطيع إيصال رسالتك إليهم بالشكل الأكثر بساطة".
النص المرافق لعروض المختبر الصوفي الأولى، كتبه الراقص واصفاً إياه "بالبسيط والعميق في آن واحد": "أن لا ترى الأشياء المحيطة بك ليس بالضرورة أنك في العتمة إنما أنتَ لا تنظر نحو النور، حسبُكَ وهجكَ الداخلي يعجبك. حتى تمرّ تلك اللحظة في حياتك التي لا بدّ مارقة في حياة كلّ إنسان، عندما تصبح ترى حقيقة ما هناك ويصبح ذاك النور كلّه ولا شيء سواه، وتمسي كما الفراشات تحترق بهواها، فذلك هو الضوء الذي لا نعرف كيف نقاوم".
سيحاول محمد عقيلي نقل عروضه إلى أماكن أخرى في العالم. يخطط الآن لزيارة اسبانيا، كما يود تقديم عروض في سوريا ومصر والعراق بلاد الصوفية الإسلامية، وفي دول شرق آسيا، مهد الديانات الشرقية القديمة.
Comentários